تفرق المسلمين. ا.د. فؤاد محمد موسي

 

تفرق المسلمين

وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ

(آل عمران - 105)

مما يحزن أي مسلم حقا أن يرى أمة الإسلام على هذا الحال أمام أحداث حرب طوفان الأقصى، تفرق وتخاذل ونفاق من هذا الحدث الجليل الذي أظهر على سطح الحياة من يتعاون من المسلمين مع أعداء الله من اليهود والصهاينة والكفار، ضد المجاهدين في غزة، ولا يستحي أن يعلن وضعه وحالته هذه على العلن.

إن هذه الحالة لم تأت من فراغ، وليست وليدة هذا الوقت، بل لها جذور عميقة خلال قرون من الزمن، عمل خلالها اليهود على تفريق المسلمين شيعا وأحزابا ومذاهب، وقوميات ووطنيات، وزعامات. مستخدما رؤسا وأقلاما حرفت في التراث الإسلامي وتاريخه، وأنشأت داخله بدعة المذاهب التي قسمت المسلمين بهذه البدعة فرقا ودوليات وجماعات متناحرة، يكفر بعضها بعضا، وتتحارب فيما بينها، ويستعين بعضها باليهود والكفار لمحاربة بعضهم البعض. حتى أصبحت اليد العليا لأعداء الله من اليهود والصهاينة والكفار، على المسلمين ، وقد سلمت هذه الفرق والجماعات أمرها لأعدائها في قيادتها بدون وعي ولا عقل ولا بصيرة من الله.

هذا الحال حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الفجر الأول للإسلام.

فمما رواه أبو داود والإمام أحمد عن أبى عامر عبد الله بن يحيى قال: «حججنا مع معاوية بن أبى سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى الظهر فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة- يعنى الأهواء- كلها في النار إلا واحدة- وهي الجماعة- وأنه سيخرج في أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه. لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاءكم به نبيكم صلّى الله عليه وسلّم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به».

كما أن هذا ما نهانا الله أن نسلكه في حياتنا كمسلمين ، نهانا عن التفرق والاختلاف فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ.

 أي لا تكونوا أيها المسلمون كأولئك اليهود والنصارى وغيرهم من الذين تفرقوا شيعا وأحزابا، وصار كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ واختلفوا فيما بينهم اختلافا شنيعا.

وهذا حال المسلمين الأن تماما، فقد ترتب على ذلك أن كفر بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، وزعم كل فريق منهم أنه على الحق وغيره على الباطل، وأنه هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما في القرآن من حقائق، وهو وحده الذي يستطيع تفسيره تفسيرا سليما.

وقد حدث لنا هذا كمسلمين رغم وجود القرآن بين أيدينا ووضح لنا ذلك  «من بعد ما جاءهم البينات» أى الآيات والحجج والبراهين الدالة على الحق، والداعية إلى الاتحاد والوثام لا إلى التفرق والاختلاف.

وإن المتمعن في في قول الله:  وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ

يجد أن الله  يوضح لنا.

أولا: أن التفرق والإختلاف قد وقع للمسلمين بعد نزول القرأن وتطبيقه عمليا من رسول الله في واقع الحياة في الصدر الأول للاسلام في حياة الصحابة . وهذا ما أكده الله في قولة: (مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ). فلم تكن هناك تلك المسميات التي ابتدعها المغرضون للفرق والجماعات والمذاهب. فلم تكن توجد إلا كلمة إسلام. تعبيرا عن وحدة المسلمين وتمسكهم بالتوحيد الخالص، فلم يبدلوا كلام الله وكانوا على المحجة البيضاء إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :تركتُكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك.

ثانيا: أن فعل تفرقوا سبق فعل اختلفوا في الآية . وهذا يشير أن التفرق يقع أولا في واقع الحال وواقع ما هم عليه من قبل .

ومن هنا نفهم أن كل الذين زرعوا فتنة الفرقة بين المسلمين، كان هدفهم في الأصل، ومن البداية، أن يفرقوا بين المسلمين ثم سعوا إلى إيجاد المبررات التي تبرر هذه الفتنة من داخل السنة أو القران تأولا وتحريفا. وهذا يشير إليه القرآن الكريم في قول الله:

 هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ(آل عمران - 7).

وهذا ما زرعه اليهود داخل صفوف المسلمين وأنشأ له الدعاة والمتخصصين في هذه الفتن . وإن لم تصدق هذا فابحث على النت عن الجامعة الإسلامية بتل أبيب لتعرف من أنشأها، ومن يدرس فيها، والهدف منها. كما لك أن تبحث عن اليهودي الذي أم المسلمين أربعين عاما بالمسجد الكبير بعاصمة تشاد ( إنجامينا).

كما أدعوكم إلى الاستماع إلى الداعية ( القس سابقا ) مؤمن إبراهيم الذي يوضح نقطة غاية في الأهمية في كيفية تعمية عقول البشر من جانب المضللين للبشر عن التوحيد والبعد عن معرفة الحق بهذه التعمية والتعتيم العقلي للبشر للسير وراء هؤلاء المضللين للبشرية والمتاجرين بالدين . إنهم ينشؤون لأنفسهم هالة من التقديس والمعرفة والوقار بين الناس والتي يجب عدم المساس بها وإلا فأنت ضال إن مسست بهذه الهالة أواقتربت منها أو مجرد أن تفكر في ذلك . ( بحجة أن لحوم  العلماء مسمومة ).

هذا ما يتبعه هؤلاء المفرقين للمسلمين بإيحاء من اليهود وتدبيرهم وتدريبهم في المؤسسات اليهودية المنتشرة في كل أنحاء العالم وكل التخصصات الحياتية والعلمية والجامعات والمؤسسات الدولية.

كما أن هؤلاء المفرقين للدين  يهاجمون الأخارين من المستقيمين على دين الله ويصفونهم بالجهل وعدم العلم. أو بالمخربين أو الإرهابيين أو.....وبطبيعة الحال يقوم الإعلام اليهودي على مستوى العالم بنشر ذلك لتشويه صورتهم . وتلميع صورة  المفرقين للدين وخلق هالة إعلاميه لهم على مستوى العالم.مما يجعل العامة من المسلمين ينخدعون بهذا كله.

وإن أي مسلم يستمع إلى المبتدعين لهذه الفرق والمفرقين لدين الله ليجد وصف الله لهم أمامه تماما.

(ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ).

إنك أيها المسلم إن تسمع إلى هؤلاء لتجدنهم قد جعلوا القوميات والمذاهب والفرق على أنها هي الدين، والدين خادم لها وأنه نزل خصيصا من أجل فرقهم أو مذهبهم ، أو قوميتهم .

وأي مسلم وبكل صدق لن يتقبل عقله تأويلات وتبريرات كل الذين يدعون إلى هذه الفرق وهذه المسميات التي ابتدعوها لأن القرآن جاء واضحا في ذلك ودون التواء أو تأويل. والقرأن ذكر لنا العديد من التأكيدات على كذب وخداع من أطلقوا هذه المسميات للتفريق بين المسلمين.

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ(آل عمران - 85).

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( المائدة:3)

هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ۚ (الحج - 78).

 لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ( يونس :64).

أيها المسلمون: هذا نبيكم عليه الصلاة والسلام يدعوكم فعن حذيفة بن اليمان :

لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا . (سنن الترمذي )

 إن كل ما نحن فيه الأن من هوان بسبب هذا التفرق  وإن ما يحدث في غزة من قتل ودمار للمسلمين وتحت أعين المسلمين جميعا بل وبمشاركة بعضهم ، لذل لكل مسلم وعار علينا جميعا، سيحاسبنا الله عليه.

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( الأنعام: 159).

أيها المسلم احذر أن تكون من هؤلاء المفرقين لدينهم والمتبعين لليهود.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت مسلكا من مسالك اليهود الخبيثة لكيد الإسلام والمسلمين، ووبختهم على ذلك توبيخا موجعا، وفضحتهم على مر العصور والدهور، وحذرت المؤمنين من شرورهم، وأرشدتهم إلى ما يعصمهم من كيدهم.

تعليقات