غزة العزة تعلن
"وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ
إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ"
أ.د/فؤاد محمد موسى
لقد احتل اليهود فلسطين وجعلوها وطنا لهم وشردوا المسلمين في بقاع
الأرض بعد القتل والتنكيل والاستيلاء على ممتلكاتهم، ولم يجد المسلمون في فلسطين من يدافع عن
الإسلام وعن مقدساته خاصة المسجد الأقصى الذي تكرر دخول قطعان اليهود لتدنيسه
والأستلاء عليه مرارا وتكرارا . مع تخاذل الكثير من الدول الإسلامية، ومنها من
أصبحت تتعامل مع اليهود كأصدقاء لهم على حساب دينهم الإسلامي.
من أجل ذلك وحماية للمسجد الأقصى، بدأت عمليَّة طُوفَان الأقصى عبر
هُجومٍ صَاروخي وَاسعِ النطاق شنّته فصائل المقاومة الإسلامية، وعل رأسها حركة
حماس، إذ وجَّهت آلاف الصواريخ صوبَ مختلف المستوطنات الإسرائيليّة من ديمونا في
الجنوب إلى هود هشارون في الشمال والقدس في الشرق، وتزامنَ مع إطلاق هذه الصواريخ
اقتحام برّي من المُقاومين عبر السّيارات رُباعيّة الدّفع والدّراجات النّارية
والطّائرات
...
ومع استمرار حرب غزة لهذه اللحظة، وسط زهول عالمي، من الكافر قبل
المسلم. كيف لفئة قليلة مسلمة تغلب إسرائيل ومن معها أمريكا وغالبية دول الكفر،
ودول النفاق . وتخاذل الكثير من المسلمين بل ومهاجمتهم لهذه الفئة القليلة، لماذا
بدأت هذه الحرب؟!!
وهنا يأت الجواب من الله.
كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ
اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( البقرة: 249).
هذه الفئة الأن هم أهل غزة الذين اعتمدوا على الله ، وأعدوا أنفسهم
ونساءهم وأطفالهم على التوحيد الخالص والاعتماد على الله.
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ
هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي
مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ
الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا
وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
(إبراهيم: 12-15).
أهل غزة الذين قال لهم كل العالم ماذا لديكم من قوة، واليهود معهم
أمريكا ولديهم أحدث العتاد . وأنتم أسلحتكم " فشنك" . وقد قال لهم هذا
المثبطين والذين يأكلون على موائد النفاق. إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ
الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ (آل
عمران: 175)
فكان قرارهم، كما جاء في القرآن.
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ (آل عمران: 173).
فكان حفظ الله لهم .
فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ
سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ( آل عمران:
174)
وقد قالوا ما قاله أبوهم إبراهيم عليه السلام.
وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ
أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ
ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(الأنعام - 81).
هذا قرار كل أهل غزة أطفال ونساء وشيوخ ، حتى وهم يخرجون من تحت
الأنقاض وانهيار المباني عليهم. يعلنون بصرخاتهم وآلامهم كلمات التوحيد والحمد
لله. يشاهد كل العالم هذه المشاهد والكلمات التي لم يشهدها كل العالم من قبل.
ووالله الذي لا إلاه إلا هو ، ما رأينا هذا إلا في حرب غزة. إنها
التربية على التوحيد والتوكل الكامل على الله ، واستعانة بالله وحدة ، وتكبيراتهم
لله وحده.
لا تقل لي كلمات الدعاة
والشيوخ والعابدين والمتنسكين والعلماء. إنها تربية الواقع هي المحك الذي تثقل فيه
العقيدة وتختبر به النوايا .
إننا نشهد يوميا مشهد عقيدة
التوحيد ذلك المشهد الباهر الذي يأخذ بالعقول، مشهد العقيدة وقد استعلنت في النفوس ، واستولت
على القلوب ، بعدما وضحت وضوحها الكامل وانجلى عنها الغبش . . نشهدها وقد ملأت
كيان أهل غزة ، فلم يعد وراءها شيء . وقد سكبت فيه الطمأنينة الواثقة بربها الذي
وجدوه في قلبهم وعقلهم وفي الوجود من حولهم .
وقد احسوا بيد الله تأخذ بأيدهم وتقود خطاهم في طريق جهادهم .
فهم يكلون إلى مشيئة الله حمايتهم ورعايتهم ؛ ويعلنون أنهم لا يخافون
من عدوهم: طائراته ودباباته وكل عتاده وعدته ، لأنهم يركنون إلى حماية الله
ورعايته . ويعلمون أنهم لا يصيبهم إلا ما شاءه الله ، إما النصر أو الشهادة.
إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقائق هذا الوجود .
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ
يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم
مُّهۡتَدُونَ( الأنعام : 82).
هؤلاء أهل غزة الذين آمنوا وأخلصوا أنفسهم لله ، لا يخلطون بهذا
الإيمان شركا في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه . هؤلاء لهم الأمن ، وهؤلاء هم المهتدون
بإنذن الله.
فهل لنا نحن المسلمون من عبرة وقد رأينا بأم أعيننا وسمعنا بآذاننا
مشهد التوحيد في واقع غزة ونحن في بيوتنا. هل لنا أن نعيد تربية المشايخ والدعاة
في أرض الواقع ، ونعيد تربية أبناء أمة اسلام في جامعة غزة وسط ركام الحرب
والأنفاق ووسط من خاضوا غمار الحرب. لتكون تربية الواقع، وليس بين الأوراق
والكلمات التي لا يدرك مدلولها إلا من رحم ربي، وتكثر التأويلات والاختلافات وتجني
بعضنا على بعض بعد الفه أو الشرك.
إن غزة علاج لكل هذه المهاترات الكلامية والخلافات المذهبية التي
يغذيها الشياطين خاصة اليهود.
هل لنا أن نتخذ من حرب غزة منطلقا لتصحيح المفاهيم والعقيدة، ومنطلقا
لتوحيد المسلمين وتحقيق قول ربنا:
وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ
فَٱتَّقُونِ(المؤمنون - 52).
تعليقات
إرسال تعليق