ٱلْحَقُّ
مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
(آل
عمران - 60)
أ.د/
فؤاد محمد موسى
أيها المسلم الصادق: لقد كثر القيل والقال في
أمور ديننا الحنيف. يتكلم فيه الأن الجاهل والعالم. يتكلم فيه الكاذب
والصادق. يتكلم فية عدو الله وحبيب الله.
لقد كثرت الفرق التي تتحدث عن الإسلام، وأنها
هي الوحيدة التي تمتلك حقيقة هذا الدين
وفهمه، ثم تكفر غيرها من الفرق الأخرى، بل تكفر من هم على صحيح الدين. وتدعي أنها
هى التي ستدخل الجنة، وغيرها في النار، مقتدية في ذلك باليهود والنصارى.
وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا
مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُواْ
بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ(البقرة - 111).
فهم يسيرون على نهج اليهود والنصارى في كل شيء. لأن قيادتهم بيد
هؤلاء. فعن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ
سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر
ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى؟ قال النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم: فَمَن؟! (رواه
الشيخان).
كما أنهم يتبعونهم في تفرقهم وعدواتهم لبعضهم. فقد ثبت في الحديث
الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت
اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق
هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول
الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي
بعض الروايات: هي
الجماعة. رواه أبو
داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وما هو عليه النبي والصحابة هو الإسلام . فأي فرقة تسمي نفسها بإسم
غير كلمة الإسلام ، فقد خرجت من الإسلام بقرارها وإرادتها. فهؤلاء يطلقون مسمياتهم
بدل كلمة الإسلام ليفرقوا المسلمين، والله يقول : لا تبديل لكلمات الله. فيا أيها
المسلم ابتعد بنفسك عن هؤلاء حتى لا تكون من الخاسرين لدينك .
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ(آل عمران - 85).
أيها المسلم لا تكون في حيرة من أمر دينك باتباع
كل ناعق يدعي أنه داعية، فهناك الكثير من الفاشلين والجهلة الذين فشلوا في حياتهم
الدراسية والعلمية والحياتية، ولهم تطلعات للشهرة والرفعة وتحصيل المال، فالتقطهم
أعداء الله من اليهود وأصحاب المصالح الدنوية، ليكونوا لهم أبواق فساد في الأرض
باسم الدين. هؤلاء الإدعياء رغم فشلهم العلمي، إلا أنهم يمتلكون بعض القدرات
الخاصة في النفاق والمكر السيء، والقدرة على التلون وتلبيس الحق بالباطل، والقدرة
الكلامية المنمقة التي يخدعون بها الناس.
ولكن الله وضح لك أيها المسلم كيف تعرفهم فقال:
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ
أَعْمَٰلَكُمْ(محمد - 30).
إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ
مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ ۚ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم
بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ(الأنعام - 159).
هنا يقول لك ربك كما قال لرسوله صلى الله
عليه وسلم : ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْمُمْتَرِينَ(آل عمران
- 60).
فالحق الذي تتبعه في دينك من ربك، أكرر ( في دينك ) وليس من أحد من
البشر مهما كان شأنه ومقامه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.حيث قال ربك:
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ
ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(آل عمران -
31).
فمصدر الدين هو القرآن والسنة، فلا يقول أحد اليوم ( وهذا منشور على
النت ) لم يعد يكفي القرأن والسنة لك كمسلم كمصدر للدين، بحجة أن البعض يقول أنه
مسلم. ثم يضيف هذا القائل ( بفهم السلف الصالح) كمصدر ثالث للدين. ويدعي مثل هؤلاء أنهم هم الذي
يعرفون هذا الفهم ويلمون به. وهذا
يخالف النص الصريح للقرأن:
ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ
وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ(
المائدة: 3).
أنظر مكر هؤلاء في اللف والالتواء في الكلام).وربك يرد على أمثال
هؤلاء بقوله سبحانه:
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
(32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا
بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ
شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ
بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ
مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ
(39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (40) أَمْ
عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ
ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) (سورة الطور).
أيها المسلم لا تكن في حيرة من أمر دينك فقد وضح الله لك الحق الذي
تتبعه دون اتباع لهؤلاء الذين جندهم اليهود لشق صف المسلمين وتفريقهم. فقال تعالى:
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ
ٱلْمُمْتَرِينَ(آل عمران - 60).
فإلى الله وحده تتجه
بالعبادة ، ومن الله وحده تتلقى المنهج والشريعة والنظام ، وعلى الله وحده تتوكل
ومنه وحده تخاف . . وتحققها له ، بالمنهج الرباني.
وما أجدر بنا نحن اليوم أن نستمع إلى هذا التحذير، فَلَا تَكُن مِّنَ
ٱلْمُمْتَرِينَ، ونحن - في بلاهة منقطعة النظير - نروح نستقي من هؤلاء المتبعين لليهود والنصارى في أمر ديننا ، ونتلقى عنهم ديننا
، ونسمع لما يدسونه من شكوك في دعوتهم لقرآننا وحديث نبينا ، وسيرة أوائلنا .
إن هذا القرآن قرآننا . قرآن الأمة المسلمة . وهو كتابها الخالد الذي
يخاطبها فيه ربها بما تعمله وما تحذره ، والكفار هم الكفار . والدين هو الدين !
إن ارتضاء الله الإسلام دينا لهذه الأمة ، ليقتضي منها ابتداء أن تدرك
قيمة هذا الاختيار . ثم تحرص على الاستقامة على هذا الدين جهد ما في الطاقة من وسع
واقتدار . . وإلا فما أنكد وما أحمق من يهمل - بل أن يرفض - ما رضيه الله له ،
ليختار لنفسه غير ما اختاره الله ! . . وإنها - إذن - لجريمة نكدة ؛ لا تذهب بغير
جزاء ، ولا يترك صاحبها يمضي ناجيا أبدا وقد رفض ما ارتضاه له الله . . ولقد يترك
الله الذين لم يتخذوا الإسلام دينا لهم ، يرتكبون ما يرتكبون ويمهلهم إلى حين . .
فأما الذين عرفوا هذا الدين ثم تركوه أو رفضوه أو حرفوه. . واتخذوا لأنفسهم مناهج في الحياة
غير المنهج الذي ارتضاه لهم الله . . فلن يتركهم الله أبدا ولن يمهلهم أبدا ، حتى
يذوقوا وبال أمرهم وهم مستحقون !
تعليقات
إرسال تعليق