يا دعاة الباطل لا تكونوا كاليهود أ.د/ فؤاد محمد موسى

 

يا دعاة الباطل لا تكونوا كاليهود

 أ.د/ فؤاد محمد موسى

وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ( البقرة : 42)

يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

(آل عمران - 71)

إن ما تعانيه البشرية منذ وجودها على الأرض في هذه الحياة الدنيا من بؤس وشقاء سببه الحقد والحسد والغل في قلوب البعض، فقد بينّ الله لنا ما فعله ابن أدم بأخيه.

" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (   ( المائدة: 27- 30)  .

فهذا سلوك الظالمين: الحقد والحسد والظلم وسفك الدماء.

وهذا ما تأصل في سجية بني إسرائيل على مّر العصور، فقد تجسّد في سلوك بني إسرائيل لأخيهم يوسف وما فعلوه به.

لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين هذا الحقد والحسد والظلم َ ( يوسف: 7-9).

أيها المسلم الكريم:

لقد سمعت الإمام يقرأ قوله تعالى:

 وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ( يوسف: 16-17).

فتألمت كثيرا وتعجبت من أسلوب الحقد والحسد في قلوب أخوة يوسف،  والمكر وتلبيس الحق بالباطل من هؤلاء الأبناء على أبيهم بهذا الدهاء.

يفعلون فعلتهم الغادرة ثم يتباكون ، والأدهى من ذلك أن يتهموا أباهم بأنه هو الذي أخطأ في حقهم بعدم تصديقهم وهم صادقون.

يا له من أسلوب بارع في تلبيس الحق بالباطل، ما يبلغه من مكر سوى بني إسرائيل.

لذلك كان تحذير الله لنا في القرآن الكريم من هذا التبليس من بني إسرائيل في أكثر من آية.

"وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ( البقرة: 42).

يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(آل عمران - 71).

وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ ۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ (آل عمران – 54).

أيها المسلم الكريم:

أنا بصفتي أستاذ جامعي متخصص في تدريس الرياضيات وأنواع التفكير المختلفة، ومناهج البحث العلمي. بحثت في كيف يكون هناك " فرد ما "لم ينجح في دراسته العلمية، ثم كان في حياته ( بلطجيا) وإذا تحدثت معه أو ناقشته في (بلطجته) أمام العامة ، فإنهم يظنون أنه تفوّق عليك في هذا النقاش. ويرد عليك ردودا في ظاهرها التفوق العقلي. فما السبب في ذلك؟ وهو لم يتعلم ولم ينجح في دراسته العلمية.

فوجدت الإجابة في كتاب الله في قولة تعالى:

وَإِخْوَٰنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى ٱلْغَىِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (الأعراف – 202).

وإخوان الشياطين، وهم الفجَّار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين من الجن في الضلالة والغَواية، ولا تدَّخر شياطين الجن وُسْعًا في مدِّهم شياطين الإنس في الغيِّ، ولا تدَّخر شياطين الإنس وُسْعًا في عمل ما توحي به شياطين الجن.

لقد كشفت لنا الحوارات التي تنشر عن حرب غزة عن خصائص بني إسرائيل ومن أكثرها وضوحا، أنهم يلۡبِسُون ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَكۡتُمُون ٱلۡحَقَّ وهم يَعۡلَمُونَ ، و أنهم يفعلون ذلك متعمدين، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم ، وإشاعة الشك والاضطراب.

ولقد زاول اليهود هذا التلبيس والتخليط وكتمان الحق في كل مناسبة عرضت لهم ، كما فصّل القرآن في مواضع منه كثيرة ؛ وكانوا دائما عامل فتنة وبلبلة في المجتمع الإسلامي ، وعامل اضطراب وخلخلة في الصف المسلم .

وفي خلال القرون المتطاولة دسوا - مع الأسف - في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون ! ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله - اللهم إلا هذا الكتاب المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين - والحمد لله على فضله العظيم .

دسّوا ولبّسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله . وفي الحديث النبوي. وفي التفسير القرآني حتى تركوه تيها لا يكاد الباحث يفيء فيه إلى معالم الطريق . ودسوا ولبسوا في الرجال أيضا . فالمئات والألوف كانوا دسيسة على التراث الإسلامي - وما يزالون في صورة المستشرقين وتلاميذمهم الذين يشغلون مناصب القيادة الفكرية اليوم في البلاد التي يقول أهلها : إنهم مسلمون .

 والعشرات من الشخصيات المدسوسة على الأمة المسلمة في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهيونية والصليبية ، ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين !

إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتّاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين ، لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة ! وبعضهم من " علماء " المسلمين !

هذا الجيش من العملاء موجّه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتّى الأساليب ، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة . وتوهين قواعدها من الأساس . والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء . وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق . والدق المتصل على " رجعيتها " ! والدعوة للتلفت منها . وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها ! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها . وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية . وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخرّ في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا ! ويشوّهون التاريخ كله ويحرّفونه كما يحرّفون النصوص !

وهم بعد مسلمون ! أليسوا يحملون أسماء المسلمين ؟

وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك . . إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر . . هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود . . وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة . ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل ! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض . . ثم يتظاهرون - بعضهم على الأقل - بغير ما يريدون وما يبيتون . . والجو من حولهم مهيّأ ، والأجهزة من حولهم معبّأة . . والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيّبون أو مشردون !

انظر أيهأ المسلم الكريم: هذا النموذج الذي عرضه الله لنا للمضللين في تلبيس الحق بالباطل.

"وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ."

). آل عمران: 78.

هؤلاء دعاة الباطل الذي يتخذون من كتاب الله مادة للتضليل ، يلوون ألسنتهم به عن مواضعه ، ويؤولون نصوصه لتوافق أهواء معينة ، ويشترون بهذا كله ثمنا قليلا . عرضا من عرض هذه الحياة الدنيا.

وأفة رجال الدين حين يفسدون ، أن يصبحوا أداة طيّعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين . وهذه الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب ، يعرفها الكثير جيدا في زماننا هذا . فهم يؤوّلون نصوص القرآن ، ويلوونها ليّا ، ليصلوا منها إلى مقررات معينة ، يزعمون أنها مدلول هذه النصوص ، وإنها تمثل ما أراده الله منها . بينما هذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها . معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية ، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة التي يُلجئون إليها النصوص إلجاء .

ونحن اليوم بصفتنا مسلمين  في حرب غزة، قد عرفنا هذا النموذج جيدا في بعض الرجال الذين ينتسبون إلى الدين الإسلامي ظلما ! الذين يحرّفون الدين ، ويسخرونه في تلبية الأهواء كلها ؛ ويحمّلون النصوص ويجرون بها وراء هذه الأهواء حيثما لاح لهم أن هناك مصلحة تتحقق ، وأن هناك عرضا من أعراض هذه الحياة الدنيا يحصل ! يحمّلون هذه النصوص ويلهثون بها وراء تلك الأهواء ، ويلوون أعناق هذه النصوص ليّا ، لتوافق هذه الأهواء السائدة ؛ ويحرفون الكلم عن مواضعه ليوافقوا بينه وبين اتجاهات تصادم هذا الدين وحقائقه الأساسية . ويبذلون جهدا لاهثا في التمحّل وتصيّد أدنى ملابسة لفظية ليوافقوا بين مدلول آية قرآنية وهوى من الأهواء السائدة التي يهمهم تمليقها.

هؤلاء الذين كانوا يملأون سماوات الإعلان والصحافة ضجيجا ويدّعون أنهم أعلم أهل الأرض بالأحاديث النبوية، ويتهمون العلماء الحقيقين  بالجهل، ويجيّشون من ورائهم الملايين من عامة المسلمين حُرّاسا لفكرهم يزاولون الصد ونقل ونشر هذا الباطل بدون وعي منهم أو أدنى عقل.

لقد زاول هؤلاء الذين يدّعون الحفاظ على السنّة النبوية عملية التشكيك فيها ، والتي مّر عليها أربعة عشر قرنا من الزمان ، وأنهم قاموا بتصحيحها بعلمهم الذي لا يملكه غيرهم. رغم أن هؤلاء لم يدرسوا بأي جامعات إسلامية في أي بلد مسلم، والتي يوجد بها الكثير من أساتذة الحديث الشريف، وفي الوقت نفسه ، لم تقم هذه الجامعات بمثل هذا العمل لو كان قولهم صحيحا.

لقد انكشف أمر هؤلاء الآن، وكان أمر الله وتدبيره أن ينشكف هذا في حرب طوفان الأقصى. ليكون إيمان المسلم على بصيرة، ويوضح الله لنا الحق من الباطل.

  وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ   ( الأنفال: 42).

تعليقات