الثبات الثبات يا أهل غزة العزة
أ.د/ فؤاد محمد موسى
أيها المسلم المؤمن بكلام الله ووعده للمؤمنين.
إن اليوم في غزة
كالبارحة يوم أحد يصف الله لنا أحداثه وكأنك في واقع المعركة تشاهد هناك ما نشاهده
في غزة الأن، إن يوم طوفان الأقصى كان نصرا من الله للمجاهدين في غزة رغم قلة عددهم وعتادهم
وفي وسط الكثير من المنافقين والمتربصين بهم من بني جلدتهم ومن الخالفين المذبذبين
من ضعاف الإيمان .
ومع كثرة الدمار
والقتل وتشريد الكثير من أهل غزة. بدأت أصوات النفاق تتربص وتتحدث بمكر ينم عن حقد
دفين في نفوس أهل النفاق.
وهذا ما حدث في
يوم أحد، فلقد كانت الهزيمة يومها مجالا لدسائس الكفار والمنافقين واليهود في
المدينة . وكانت المدنية لم تخلص بعد للإسلام ؛ بل لا يزال المسلمون فيها نبتة
غريبة إلى حد كبير . نبتة غريبة أحاطتها " بدر
" بسياج
من الرهبة ، بما كان فيها من النصر الأبلج . فلما كانت الهزيمة في أحد تغير الموقف
إلى حد كبير ؛ وسنحت الفرصة لهؤلاء الأعداء المتربصين أن يظهروا أحقادهم ، وأن
ينفثوا سمومهم ؛ وأن يجدوا في جو الفجائع التي دخلت كل بيت من بيوت المسلمين -
وبخاصة بيوت الشهداء ومن أصابتهم الجراح المثخنة - ما يساعد على ترويج الكيد والدس
والبلبلة في الأفكار والصفوف .
أيها المسلم هيا
بنا نسمع الله سبحانه يدعو الذين آمنوا ليحذرهم من طاعة الذين كفروا ؛ ونسمعه -
سبحانه - يعدهم النصر على عدوهم ، وإلقاء الرعب في قلبه ؛ ويذكرهم بالنصر الذي
حققه لهم في أول المعركة ، حسب وعده لهم ؛ والذي إنما أضاعوه هم بضعفهم ونزاعهم
وخلافهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يستحضر مشهد المعركة ، في صورة
فائضة بالحيوية والحركة . ثم ما أعقب الهزيمة والفزع ، من إنزال الطمأنينة في قلوب
المؤمنين منهم ؛ بينما القلق والحيرة والحسرة تأكل قلوب المنافقين ، الذين ساء
ظنهم بالله سبحانه . ويكشف لهم كذلك عن جانب من حكمته الخفية وتدبيره اللطيف ، في
سير الأحداث سيرتها تلك ، مع تقرير حقيقة قدر الله في آجال العباد . ويحذرهم من ضلال التصورات التي يشيعها الكفار والمنافقون
في قضية الموت والاستشهاد . ويردهم إلى حقيقة البعث ، التي ينتهي إليها الناس . .
ماتوا أو قتلوا . . وإلى أنهم مرجوعون إلى الله على كل حال.
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ
أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ
النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ
النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ
وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ
وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا
تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ
ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) ۞ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ
أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ
لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ
الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ
أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ
الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ
الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ
يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل
لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ
إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ
مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ
عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي
الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي
وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا
يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ
لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن
يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي
يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160).
( آل عمران ).
وحين ننظر في
هذه المجموعة من الآيات نظرة فاحصة،
نجدها قد ضمت في
جوانحها على حشد ضخم من المشاهد التي وقعت على أرض غزة الأن ، ومن الحقائق الكبيرة
الأصيلة في التصور الإسلامي ، وفي الحياة الواقعية الواقعة الأن . وفي السنن
الكونية . . نجدها تصور المعركة كلها بلمسات سريعة حية متحركة عميقة ، فلا تدع
منها جانبا إلا سجلته تسجيلا يستجيش المشاعر والخواطر ؛ وهي بدون شك أشد حيوية
وأشد استحضارا للمعركة في غزة بجوها وملابساتها ووقائعها ، وبكل الخلجات النفسية
والحركات الشعورية المصاحبة لها ، ثم نجدها تضم جوانحها على ذلك الحشد من الحقائق
في صورتها الحية الفاعلة في النفوس ، البانية للتصور الصحيح .
تعليقات
إرسال تعليق