أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا( النساء: 139) اد. فؤاد محمد موسى
أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا
( النساء: 139)
لقد نزل القران الكريم، نورا يضيء طريق الحياة لمن يريد الهداية في خضم هذه الحياة، متعددة السبل والمشارب والعلاقات والتفاعلات البشرية.
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ( النساء: 137، 138)
تبدأ الأيات بهذا التهكم الواضح في استعمال كلمة( بشر )مكان كلمة أنذر . وفي جعل العذاب الأليم الذي ينتظر المنافقين بشارة ! ثم ببيان سبب هذا العذاب الأليم ، وهو ولايتهم للكافرين دون المؤمنين ؛ وسوء ظنهم بالله ؛ وسوء تصورهم لمصدر العزة والقوة.
فلا يستعز المسلم بغير الله وهو مؤمن . ولا يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو يؤمن بالله . وما أحوج ناسا ممن يدعون الإسلام ؛ ويتسمون بأسماء المسلمين ، وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض ، أن يتدبروا هذه الأية القرآنية . . إن كانت بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين . . وإلا فإن الله غني عن العالمين !
هذا واقع موجود يعيشه الأن الكثير من الذين يدعون أنهم من المسلمين، بل أنهم دعاة الإسلام وحاملين رايته.
والكافرون المذكورون هنا كما يشير المفسرون هم اليهود ؛ الذين كان المنافقون يأوون إليهم ؛ ويتخنسون عندهم ، ويبيتون معهم للمسلمين شتى المكائد ، في عصر النبوة ، وهو كما هو الأن كما نراه ونشاهده في هؤلاء الذين يناصرون اسرائيل على المسلمين في فلسطين بل وفي بقاع الأرض.
وهكذا تكشف هذه اللمسة واحدة من طبيعة المنافقين ، وصفتهم ، وهي ولاية الكافرين دون المؤمنين ، كما تكشف عن سوء تصورهم لحقيقة القوى ؛ وعن تجرد الكافرين من العزة والقوة التي يطلبها عندهم أولئك المنافقون . وتقرر أن العزة لله وحده ؛ فهي تطلب عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين
والله - جل جلاله - يسأل في استنكار : لم يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان ؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع ، ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف ؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين ؟ لقد استأثر الله - عز وجل - بالعزة ؛ فلا يجدها إلا من يتولاه ؛ ويطلبها عنده ؛ ويرتكن إلى حماه .
ألا إنه لسند واحد للنفس البشرية تجد عنده العزة ، فإن ارتكنت إليه استعلت على من دونه . وألا إنها لعبودية واحدة ترفع النفس البشرية وتحررها . . العبودية لله . . فإن لا تطمئن إليها النفس استعبدت لقيم شتى ؛ وأشخاص شتى ؛ واعتبارات شتى ، ومخاوف شتى . ولم يعصمها شيء من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل اعتبار .
وإنه إما عبودية لله كلها استعلاء وعزة وانطلاق . وإما عبودية لعباد الله كلها استخذاء وذلة وأغلال . . ولمن شاء أن يختار . .
فهذا ربعي بن عامر يدخل على خيمة رستم المزينة بالذهب والفرش والتيجان على عادة ملوك الفرس في إظهار هيبتهم وعظمتهم بتلك الماديات والمظهريات، والتي لم يلق ربعي لها بالاً، بل دخل بكامل سلاحه بعد أن أوقفه الحرس ومنعوه من الدخول بسلاحه، فقال لهم: أنتم دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، وكان له ما أراد أيضاً.
دخل ربعي بن عامر بثياب متواضعة وسيف وترس ووقف أمام رستم الذي قال له: ما جاء بكم؟ فقال بثقة المؤمن صاحب الرؤية الواضحة والمعتز بدينه وهويته: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله.
قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال: نعم، كم أحب إليكم؟ أيوم أو يومان؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: ما سن لنا رسول الله – ﷺ – أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل.
فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، يجير أدناهم على أعلاهم – أي إذا أعطى أدناهم وعداً لأحد، فلابد أن يوفي بذلك أعلاهم. وانتهى اللقاء على ذلك. فاجتمع رستم برؤساء قومه، فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟
من يقول ما قاله ربعي بن عامر لأعداء الله الأن من اليهود والمشركين، الذين يبيدون أهل غزة ويستبيحون الدول الإسلامية . ولكن ما نسمعه عكس ذلك.
الإرتماء في أحضان أعداء الله والبحث عندهم عن الأمن والأمان، بل والاعتزاز بصداقتهم وموالاتهم والإعتزاز بصداقتهم وحمايتهم . على الرغم من نهي الله لنا عن هذا.
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا،الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ( النساء: 140، 141)
تعليقات
إرسال تعليق